فقرة خارج السياق للكاتب جورج صبّاغ.
قساوة الحرب وتداعياتها على مستوى التدمير المنهجي الذي تتعرض له مدننا وبلداتنا في معظم الأقضية، والمآسي التي خلٌفتها من قتل مدنيين أبرياء بقصف ابنيتهم ومساكنهم وهم نيام بحجج وذرائع مختلقة بغالبيتها ، وتهجير أكثر من مليونيّ لبناني تحت التهديد والخوف والقصف العنيف، من المناطق المعرٌضة للدمار الكلي الى مناطق اكثر أمانا، لهو مشهد ينده له الجبين وتعتصر له القلوب.
- وقد أثبت اللبنانيون تضامنهم في المحن الكبرىٌ باحتضان بعضهم البعض وتقديم العون والمساعدة حيث استطاعوا وحيث لزم وقدموا المٌتاح للتخفيف قدر الإمكان عن إخوانهم النازحين من داخل الوطن إلى مناطق أخرى في الوطن، مع الإشارة الى ان المطلوب من مستلزمات الإغاثة والمساعدات هائل جداً وغير كافٍ ( والحِمل ثقيل على الجميع ) مع تقديرنا للمؤسسات والجمعيات الأهلية التي تبذل ما بوسعها للمساعدة ، كما الشكر موصول لكافة الدول التي ترسل تباعا مساعدات للإغاثة .
وهنا لا بد من طرح السؤال المركزي، ما خلفية إقتلاع جماعة لبنانية بأكملها من مناطقها، ليلتحف معظمهم الفضاء ويفترشون “أرصفة المجهول” ومقاعد غرف المدارس ويتئكون على “وسادة القلق” على المصير والغد خاصة وأننا على مشارف فصل الشتاء؟
وبالتالي كيف سيعود هؤلاء الى ديارهم ومتى ، وهل تبقّى لهم من ديار ليعودوا إليها وفي أي ظروف معيشية وإجتماعية وبأي تكلفة ومن اين مصادر التمويل وماهي المٌدد الزمنية لأعادة الإعمار ؟
نعرف متى وكيف تبدأ الحرب ولكن ما من أحد يعرف تطورها وتداعيانها ومتى تنتهي .
وهل “طار” العام الدراسي نتيجة تبعات هذه الحرب ؟
- أن شراسة العمليات العسكرية والمفاجئة بنتائجها والتي ما زالت مستمرة وتدور رحاها على أكثر من جبهة وصعيد وتطال معظم الاقضية في ما اصطلح التعريف بها عسكريا (بين سهام الشمال والحساب المفتوح) تظهٌرت وكأنها حرب (التفوق العسكري والتطور والتكنولوجيا واستخدام الذكاء الإصطناعي ( AI ) والعمليات السيبرانية والقوة النارية الهائلة والمُدَمِرة بمواجهة مجموعات قتالية متواضعة التسليح العسكري نسبياً وبمعدات حربية وقتالية كلاسيكية مع ثبات بالقناعات وصلابة العقيدة وبالشجاعة في القتال المُحَفَّزة بالإيديولوجيا)،
غير أن هذه الحرب قد آلمت الشعب اللبناني برمته على كافة المستويات، وخلّفت جراحاً عميقة في نفوس البيئة الأكثر تعرضاً في هذه الحرب قد يصعب ” إلتآمها إن لم نقل يستحيل اندمالها ” مع التأكيد أن معظم الخسائر بالأمور والمسائل المادية قد تعوّض او تُستعاد (كالأملاك والحجر والشجر والأموال والمقتنيات والأعمال.. .الخ)، باستثناء الناس الشهداء حتماُ، (رحمهم الله) كما الشهداء الأحياء والمعوقين وبخاصة الذين فقدوا اجزاءً وأعضاءً من أجسادهم من أجل قضية آمنوا بها وراهنوا على أحقيتها ، وهم يجاهرون بتردادِهم كما الكثيرين ، ُالتوصيف التالي (ما ُحدا مَكان او مِتل حدا). - غير أن اكبر الجراح وأكثرها إيلاماً وآلاما ووجعاً يبقى”جرح الكرامة “، والذي أصاب هذه البيئة الحاضِنة لمقاومتِها من خلال إستهداف معظم قادة الصف الاول لها كما العدد الكبير من كوادرها الذين يسقطون الواحد تِلو الآخر باستدهدافات دقيقة التخطيط والتنفيذ والنتائج المضمونة مُضاف اليهم الخسارة الأقسى وهي
فقدان قائدهم الرمز، والشخصية الاستثنائية (وفق تقييم اعدائه وأخصامه قبل محبيه وأتباعه وجمهوره الواسع ومحازبيه)،
وقد باتوا يشعرون ان الزلزال الذي أصابهم قد أفقدهم كل ما يملكون دفعةً واحدة وتبخّرت آمالهم وأمانيهم بثوانٍ معدودات، ورحيله بالإستشهاد الصادم وٌالمفاجئ اللامتوقع بالكيفية والتوقيت،
(كأنه جُلمود صخرٍِ حطّه السيلُ من علِ). - عبر التاريخ تعرّضت شعوب كثيرة لمثلِ هذه الحالات الصادِمة والقاضِمة للمعنويات بفقدانِ زعمائها وقادتها التاريخيين والإستثنائيين والكاريزماتيين، نذكر منهم على سبيل المثال والتذكيرُ لا الحصر (الرئيس جمال عبد الناصر، ستالين، كاسترو، تشي غيفارا …الخ)،
ونحن كذلك في تاريخ لبنان الحديث، كل الجماعات اللبنانية تعرٍّضت للصدمة عينِها بفقدان قادتها وزعمائها السياسيين ورموزها “الأيقونات” وهم على التوالي وبفوارق زمنية، (الوزير طوني سليمان بك فرنجية زعيم تنظيم المردة، رئيس الجمهورية المنتخب الشيخ بشير الجميّل مؤسس القوات اللبنانية، ُُُالمعلّم كمال جنبلاط زعيم الطائفة الدرزية ومؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي، رئيس الحكومة الأسبق الزعيم السني الشمالي رشيد عبدالحميد كرامي، داني كميل شمعون رئيس حزب الوطنيين الأحرار ومؤسس فرقة “النمور”، الوزير والنائب ايلي حبيقة رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سابقا ومؤسس حزب الوعد، الشيخ رفيق الحريري رئيس مجلس الوزراء مؤسس تيار المستقبل وزعيم الطائفة السنية دون منازع من حينه وحتى تاريخه)، رحمهم الله جميعاً وبرحيلهم أصيبت هذه الجماعات اللبنانية التي تدين بالولاء لهم حتى “العَظم”، بالصدمةِ عينِها والشعورِ بالإحباط العميق ذاتِه وتدنٍ بالمعنويات الى أبعد حدّ، (بعد إن أسس هؤلاء الزعماء القادة علاقات متينة ومتبادلة مع جماهيرهم العريضة باتت “أشبه بعلاقة الدم بالشرايين”).
- نعم إنه “جٌرح الكرامات”، اعمق من كل الجراح قاطبةً وحتماً سيبقى نازفاً ولن يَطمسه التاريخ على رفوف خزائنه “المشوّهة والمهلهلة” مهما حاول مزوّروه، بل ستَخُط الأجيال المقبلة سِيَرَهم بأحرفٍ من ذهبْ.
واستطراداً مهما كانت الصِعاب كما مآسينا الكبرى وتداعيات الحرب المدمّرة قاسية على كواهِلنا، فإننا سوف نتخطى كل ما أصابنا بإذنه تعالى بوحدتِنا الوطنية وتكاتفِنا، على أمل أن يصار الى وقف إطلاق النار في أسرع ما يُمكن ولإبعاد كأس ما حلّ بغزة عنا، وتُثمر المساعي الجارية لإنتخاب رئيس للجمهورية وملئ الفراغ وإعادة تكوين السلطات، وعودة الأمان والاستقرار وإعادة إعمار ما تهدّم والنهوض الإقتصادي من تحت ركام الأزمات لوطن العزة وال ١٠٤٥٢ كلم٢ .
- واخيرا نختم قائلين مهما كانت الأمواج عاتيات ولا نستطيع إيقافها، فما علينا سوى إجادة ٌالسباحة، كي نحفظ وطننا ونحميه من الإستباحة،
والسلام .