فقرة خارج السياق للكاتب جورج صبّاغ
ما حصل من عدوان غير مسبوق في الحروب عادة، يومي الثلاثاء والأربعاء وما تلاهما خلال هذا الأسبوع، قد فاق المتوقع كما المعقول والمقبول وشكّل إخلالاً بكل المواثيق و تجاوز لكل الأعراف الدولية للحروب. وأمام هول ما أصاب اللبنانيين في مناطق عدة (عسكريين ومدنيين واستشهاد نساء واطفال) لا ذنب لهم من خلال تفجير أجهزة اتصالات، وأوقع عدداً كبيراً من الشهداء والجرحى، شَعرَ اللبنانيون بغالبيتهم وكأنهم اصيبوا هم بهذه الكارثة المأساة والفاجعة ألمّت بهم وآلمَتهم جميعا، كما اقلقتهم مؤخرا العمليات العسكرية التي تخطت الخطوط الحمر وتجاوزت قواعد الإشتباك، والأمور باتت مفتوحة على كل الاحتمالات.
“اللبنانيون كلهم أولياء الدم* التضامن الوطني الجامع حيال ما جرى، لم يقتصر على الإستنكار والشجب والإدانة فقط ولا برفض ما حصل (لفظيا وبروتوكوليا اومجاملةً او تعاطفاً صُورياً)، إنما تجلّى بأبهى حللِه من خلال تضافر جهود الجميع (رسمياًوشعبياً) للمؤازرة والمساعدة الطبية والإستشفائية والإسعاف الأولي والسريع ونقل الجرحى والمصابين وسوى ذلك باندفاعٍ وحماسة وتعاطفٍ صادق لا سيما من خلال حملات التبرع بالدم للتعويض عما أزهِق، فاختلطت دماء دير الأحمر مع دماء بعلبك والهرمل كما اختلطت دماء الأشرفية مع برج البراجنة والمشرَّفية ودماء الطريق الجديدة مع حارة حريك وطرابلس وعكار مع الغبيري وعرسال مع علي النهري وعين الرمانة مع الشياح والحدت مع الجاموس والكفاءات ورميش مع صُور و عين إبل مع النبطية والشوف مع الزهراني وصيدا و حارتِها وجزين مع ميفدون وزحلة مع حِزّرتا وسعدنايل مع النبي أيلا وبرالياس مع سرعين وصغبين مع مشغرة وجب جنّين مع سُحمر وراشيا مع العديسة… لقد أثبت الشعب اللبناني أنه شعب حي أصيل ومقدام وطني وإنساني، وفي الأزمات الكبرى يلتف حول بعضه البعض ويتآزر، متناسيا خلافاته السياسية والمقاربات المختلفة حول الرؤى والمعالجات لمشكلاته وتعقيداتها. وهنا نخلص الى القول إذا إختلط الدم وتوحّد واندمج كما حصل في هذه المحنة وبنخوة لافتة، تصبح باقي الإشكاليات والإختلافات هزيلة وغير ذات أهمية وقابلة للحل بالحوار الهادئ والعقلاني ولمصلحة كل اللبنانيين. وبالمناسبةلا بد لنا من أن ننوه على أن لبنان ليس دولة حربية (بإمكاناته ومقدراته وفق المقاييس والمفاهيم العسكرية) بل إنه بلداً “مقاومتياً” منذ القدم، إذ قاوم شعبه على مدى العصور الإضطهاد على انواعه والغزوات المتعددة والإستعمار والإنتداب والهيمنة والإحتلالات ودَفع الأثمان الغالية والتضحيات الكبرى ليبقى حراً، وجَعل من هذه المساحة الصغرى واحة للحريات، (إنه مفطور على عشق الحرية والتحرّر ). وأخيراً، نتمنى للجرحى الشفاء العاجل وللشهداء الرحمة الإلهية، وبوحدتنا نحمي وطننا من كل المخاطر، “والدم ما بيصير مي” حفظ الله لبنان من كافة الشرور وحمى شعبه من كل الأخطار والحروب المدمرة، والسلام .