فقرة خارج السياق للكاتب جورج صبّاغ
معتمراً الكوفية الفلسطينية هو منذ نعومة أظافره، وهو الذي نشأ وترعرع في بيت وكنف أحد أهم السياسيين اللبنانيين في العصر الحديث، وتتلمذ على يديه معتنقاً افكار ومبادئ الحزب التقدمي الاشتراكي (عنيت به وليد جنبلاط أبو تيمور)، الذي اسسه والده المرحوم كمال بك جنبلاط، والأخير لعب ادوارا اساسية ومفصلية في حياتنا السياسية اللبنانية وأنشأ علاقات خارجية واسعة بخاصة مع الإتحاد السوفيتي (بحينه) كما معظم الدول الإشتراكية، ما مكّنه من تزعم “اليسار اللبناني” برمته كما لطائفة الموحّدين الدروز بغالبيتهم العُظمى وبنى علاقات متينة مع كامل الفصائل الفلسطينية بحكم موقعه ومن خلفيته السياسية، وفي مقدمها منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات (ابوعمار) وأصبح من المؤثرين جدا على قراراته، علاوةً على أنه كان صاحب ثقافة واسعة وشاملة على مختلف المستويات لا سيما الفكرية والسياسية والاجتماعية، واصدر عدة كتب ومؤلفات وبلغات متعددة، حتى بات يُطلق عليه لقب “المعلّم كمال جنبلاط”،وقد انتُخب نائباً في البرلمان اللبناني لعدة دورات كما عُيّن وزيراً في حكومات عدّة.
العباءة التي أًلبست “لوليد بك جنبلاط” إثر إغتيال والده، حاول من خلال تظللها المحافظة على هذا الإرث الغني والثقيل في آن، وذلك منذ عام 1977 وحتى تاريخه، وقد إجتاز طيلة هذه المرحلة بحروبها وأحداثها وشؤون البلد وازماته وشجون الطائفة وتنوعها متحملاً كامل المسؤوليات الملقاة على عاتقه،
فازدانت العباءة أحياناً بنجاحات واحياناً أخرى تشظت بإخفاقات وبأخطاء اعترف باقترافها “البيك” بشجاعة قلّ نظيرها، (وسواء أيّده البعض أو عارضه) إلا أنه استطاع في مسيرته السياسية أن يثبّت له موقعا متميزا في الساحة الداخلية على مختلف المستويات وبات باختصار حاجة لكل الأطراف حتى أطلق عليه تسمية (بيضة القبان) مع الإشارة الى انه مازال ملتزما ومحافظا على العلاقة التفاهمية والوطيدة المزمنة مع رئيس حركة أمل رئيس المجلس النيابي الأستاذ “نبيه بري” وهذه العلاقة عززت من رصيده وموقعه السياسيين وشكلت له حزام أمان يركن اليه دون أدنى شك.
المعروف عن (ابو تيمور) ديناميكيته في التحرك السياسي واتخاذ المواقف وفق رؤيته الشخصية وتتسم غالبا بما يسمى “الواقعية السياسية”، لذا نرى إنتقادات كثيرة وجدل عميق حول مواقفه وتبدلها بين ليلةٍ وضحاها مبررة بقدرته الشخصية.
وبات شائعا في الاوساط السياسية كما لدى غالبية اللبنانيين ان “البيك” وفي المحطات المفصلية يشغّل (حسّاساته اللاقطة ويفعّل “الانتينات”) ليستقبل الإشارات ويرصد التحركات كي يصحّح بوصلة حركته ومواقفه ويوجهها حيث وجب، فيقود معه جمهوره وأركان طائفته و كوادر حزبه ومحازبيه والمؤمنين بنهجه السياسي، وهذا يحصل من خلال قدرته الفائقة وحنكته السياسية والكاريزما التي يتمتع بها، وهذا ما نشهد فصوله راهنا منذ بدء (عملية طوفان الأقصى وخلالها وما يحصل في الجنوب وحتى تاريخه) وما هو مرتقب حصوله على مستوى المنطقة بأكملها.
إبان الحرب الأهلية اللبنانية أنشئت في القوات اللبنانية فرقة خاصة ذاع صيتها (فرقة الصدم) وهي فرقة تضم النخبة من المقاتلين الأشُدّاء وكانوا يخضعون لأقسى وأصعب التدريبات ويشاركون في أعتى العمليات القتالية وكان أهم اختصاصهم القتال خلف خطوط (العدو) رغم أن عددهم كان محدوداً بالنسبة لباقي الوحدات والمجموعات القتالية وقد إعتمدت تلك الفرقة شعاراً لها (حيث لا يجرؤ الآخرون).
“ابو تيمور” ومن منطلق وطني وعروبي ومن إحساسه بالمسؤولية الوطنية كما الأخلاقية، وفي خضم هذه الأحداث تجرّأ “حيث لا ولم يجرؤ الآخرون” وفعلها متبنياً هذا الشعار ونفذّه، من خلال إعلانه (شبه منفرداً) مواقف وطنية جامعة للمحافظة على الوحدة الوطنية والتضامن الوطني والإجتماعي لمواجهة المخاطر والأزمات على مختلف المستويات، وللإنتفال إلى برّ الأمان بأقل خسائر ممكنة.
حبذا لو يضع باقي الأفرقاء والأطراف خلافاتهم وإختلافاتهم السياسية جانبا، ونقول للبعض:
المطلوب راهنا الهدوء والتروي وسكب الماء في كؤوس نبيذهم والكف عن إصدار البيانات كما الخطابات والمقابلات والمقالات التحريضية والمستثيرة للغرائز والعصبيات ونكء الجراح ونبش القبور خاصة في هذا الظرف العصيب تحديداً،
كي لا نبكي وطنا كالنساء لم نحافظ عليه كالرجال،
والسلام على وطن السلام.