ولأننا ما زلنا، “الشعوب اللبنانية المتعايشة” ولأننا لم تنجز الهوية الوطنية الصحيحة الصافية بالكامل، ولأننا لم نؤسس لوحدة_وطنية صلبة ضمن التنوع المكون لهذا الكيان ولم ننصهر في بوتقة لبنانية واحدة موحدة (لنحصن مناعته في مواجهة التحديات والمخاطر)، ولأننا كلنا ينتمي ويدين بالولاء اولا إلى المذهب و الطائفة و العائلة و العشيرة و الحزب و الحي و البلدة و المدينة و المنطقة و الزعيم و المرجعية الدينية و السياسية و الإقطاعية (باعتبار هؤلاء يؤمنون لنا مصالحنا والحماية)، ولأن الولاء الوطني و #الإنتماء غالبا ما يأتيان في المراتب المتأخرة وأحيانا بالإسم فقط على بطاقة الهوية وفي سجلات النفوس، ولأن لبنان مكون من ثمانية عشر طائفة، (وطن الرسالات وتفاعل ثقافات و حوار أديان)، ولأن كل طائفة أو جماعة عندنا، لديها أملاكها واوقافها وأرصدتها وحساباتها المالية ومحاكمها الروحية و الشرعية ومؤسساتها المالية و الثقافية و الإعلامية وانديتها الرياضية وملاعبها ومنتجعاتها ومستشفياتها ومراكزها الصحية وجمعياتها ومدارسها وجامعاتها وكشافتها وقنواتها المتلفزة ومحطاتها الإذاعية الخاصة بها حتى مزروعاتها وموارد رزقها بحكم التموضع الجغرافي والإنتشار، فعلى سبيل المثال: التفاح للموارنة، والحمضيات #للسنة، والكرمة للكاثوليك، والتبغ للشيعة، والزيتون والنحل للأرثوذكس والدروز، …الخ (وكأننا الدويلات اللبنانية-المتحدة)، وكل منها لها امتداداتها وعلاقاتها ومظلتها الواقية،ولأن لبنان يقع على”الفالق الزلزالي” الجيوسياسي في هذه المنطقة المضطربة والمهتزة على الدوام، يتلقى تداعيات و يحصد نتائج أي عاصفة أو صفقة أقليمية – دولية وهو فاقد المناعة وغير محصن بواقٍ للصدمات (parchoc)، و تمرر التسويات الكبرى على”حسابه”، ولأن أهمية الدول ودورها يحددانهما الموقع والحجم، ولأن مساحة لبنان، تساوي (على سبيل المقارنة) ربع مساحة محافظة حمص المتاخمة لحدودنا و ١ / ٨ ١، من إجمالي مساحة سوريا الدولة الشقيقة الوحيدة الجارة لنا وبوابتنا الوحيدة الى العمق العربي والمشرقي،ولأننا نقع جغرافيا بين مطرقة عدو متربص ابدا بنا، وسندان “عدم توازن جيرة” مع اقرب شقيق لنا بحجمه الهائل، (مع تأكيدنا على ضرورة معرفة التعاطي مع هذه الحتمية وكيفية التنسيق وحلحلة المسائل العالقة بعقلانية تامة بما يؤمن مصالح كل من البلدين الشقيقين ، تأكيدا على العلاقات المميزة المثبتة في دستور الطائف ) ،ولأننا لم نعد نشكل جسر التواصل بين الشرق والغرب لأسباب جمة وأهمها ” العولمة ” ، ولأن لبنان ليس” فائضا جغرافيا ” في الإقليم وفق مقولة (هنري كيسنجر)، ولأن بلدنا لا يملك ثروات طبيعية هامة فعلاوة عن (ثروته البشرية وشعبه المبدع الخلاق والمبادر وجمال طبيعته الخلابة) ، لدينا فقط الغاز والنفط المكتشفين مؤخرا و اللذين لم نستطع حتى الآن إستخراجهما والإفادة منهما في الوقت المناسب والظرف الملائم ،ولأن إقتصادنا بمجمله هو إقتصاد ريعي غير منتج ، إذ لم نعر القطاعات الإنتاجية الثلاث الإهتمام اللازم على مر العقود ،ولأن الدين العام بلغ حتى الآن ما يقارب المائة مليار دولار ، نتيجة للسياسات المالية والإقتصادية المتبعة في الحكومات المتعاقبة والخلافات السياسية التي عرقلت عجلة الإقتصاد منذ ” الطائف ” إضافة الى الهدر والفساد اللذان افرغا خزينة الدولة ، وقد شارفنا على #الإفلاس_الحقيقي جراء كل ذلك ، ولأننا لم نبلغ دولة الرعاية الحقيقية بعد ،ولأن الإهتراء والترهل متفشيان بكل أنحاء الجسم اللبناني ،ولأن الفساد متأصل متجذر ومزمن في بنيان الدولة واداراتها ،ولأن الفاسدين والمفسدين غالبا ما “يتلطون” بطوائفهم ويحظون بحماية زعمائهم السياسيين ،ولأن عدد اللبنانيين المنتشرين في أصقاع الدنيا والمتحدرين من اصل لبناني يفوق الأربعة عشرة مليونا ( منذ الهجرة الأولى أواسط القرن الثامن عشر ) لعدم توفر مقومات الحياة الكريمة ولعدم شعورهم بالإستقرار والإطمئنان إلى مستقبلهم ،ولأن لبنان لم ينعم منذ نشأة الكيان وما بعد الإستقلال ، بفترات استقرار طويلة إلا ما ندر ، حتى في” العصور الذهبية ” للعهود التي مرت ، إذ شهدت كلها أزمات سياسية وخضات وثورات وانتفاضات وحروب أهلية وتهجير قسري وتبدل ديمغرافي وإجتياحات مدمرة واغتيالات سياسيين ورؤساء ومجازر جماعية وتدخلات خارجية وموجات لجوء ونزوح ومحاولة إقامة الوطن البديل وصراع النفوذ الإقليمي على ارضنا وإقتتال الإخوة الأكثر تدميرا ودموية ، وخوض حروب خاسرة سلفا أو غير متكافئة أو عبثية ، كل ذلك ادى الى زعزعة البنيان الوهن أصلا برمته وقوض الدولة ومؤسساتها قاطبة والحق المآسي و خلف النكبات بمعظم شعبنا ومواطنينا ودمر مجتمعاتنا بالكامل ، ولأننا نمتهن ونبرع في إضاعة الفرص الذهبية وتفويتها علينا ( كتطويق حكم الرئيس اللواء فؤاد شهاب باني دولة المؤسسات ، والإنقلاب على الإتفاق الثلاثي الخلاصي ، على سبيل المثال لا الحصر و الأمثلة كثيرة ولا مجال لتعدادها كلها ) ،ولأن” الطائف” أوقف الحرب الأهلية ولم يؤسس لقيام نظام سياسي لدولة حديثة ،ولأن مراحل” السلطوية ” والإستئثار والحقبات المتغيرة والمتبدلة طبعت بالهيمنة الطائفية والمذهبية ، فتحولت من المارونية السياسية قبل” الطائف” إلى السنية السياسية بعده ، والآن يحكى عن الشيعية السياسية إستنادا إلى تعاظم حجم الطائفة وقدراتها وديناميتها الصاعدة ،ولأننا كلنا أقليات طائفية في هذا الوطن ، ولا غلبة لمكون على الآخر رغم محاولات الجميع الاستقواء على شركائهم الآخرين في مراحل متتالية مرت ، ولأننا نعتمد الديمقراطية التوافقية كقاعدة حكم كما الاعراف والتسويات ، والمحاصصات ، وغالبا ما نتخطى الدستور والقوانين لتجنب المآزق والفتن ، ولأن الهوة أضحت سحيقة بين الدولة والمواطن وأزمة الثقة المزمنة تتعاظم بهذا الإتجاه ،ولأن في لبنان كثير من الحرية وقليل من الديمقراطية (التوصيف هذا للرئيس الدكتور سليم الحص) ،ولأن معادلة ٦ و ٦ مكرر لا تزال هي قاعدة أساس في معظم القرارات الإدارية و الرقابية وسواها ، ولأن ليس كل السياسيين والذين يتعاطون الشأن العام هم فاسدين أو مفسدين أو متخاذلين وسوى ذلك (كما هو شائع في الأوساط الشعبية التي تستسهل الإنتقاد وتعبيرها عن الإستياء يتم عبر توجيه الإتهامات العامة العشوائية غالبا ، المعروفة والمتداولة بحق الجميع دون تمييز ، وهنا لا يجوز التعميم وإن كان هناك فعلا من فاسدين ومرتكبين ومتقاعسين فالتعميم عادة يجهّل المرتكبين الحقيقيين)، خاصة وأن السياسيين ليسوا من كوكب آخر أو من جينات مغايرة ، انهم لبنانيون ومن طينة هذا الشعب الطيب أصلا حسبا ونسبا ،ولأن المعضلة ليست بالسياسيين ولا بالحكام ولا بالذين يتولون الشأن العام في لبنان ، ولا بشعبنا بكل مكوناته حتما ، ولأن الماء يأخذ شكل الوعاء الذي يسكب فيه (تشبيه) ، ولأن ما من أحد يملك عصا سحرية مهما بلغ من مقام وشأن وقدرات وسلطان ، وحتى القادة الأبطال الملائكة لا ” يستطيعون حتما إحياء العظام وهي رميم ” ،ولأننا نفرط كثيرا في إعطاء انانياتنا الذاتية مداها الجشع ،ولأننا تخلفنا كثيرا عن إجراء بعض الإصلاحات السياسية والإدارية الضرورية كإقرار مبدا فصل السلطات واعتماد الهيئات الناظمة في الوزارات والإدارات الرسمية ومختلف القطاعات وتفعيل أجهزة الرقابة على اختلاف درجاتها ، للحد من الهدر والفساد ولمزيد من الشفافية في إدارة الشأن العام وتأمين مصالح المواطنين، ولأن لبنان بوضعه الراهن أشبه بمولود مشوه منذ الولادة تشوبه إعاقات بنيوية وتشوهات عضوية، لا طائل من” إخضاعه لعمليات تجميلية أو طلسه بمساحيق تجمله ولا تداويه”، ولأن الطبيب الناجح هو البارع في التشخيص والذي يصف العلاج الناجع،ولأننا لا نستطيع “إخفاء نور الشمس بالغربال ولا الاختباء خلف اصابعنا ولا طمر رؤوسنا في الرمال”، نسارع إلى القول ان ما ذكرناه وهو غيض من فيض (التوصيف يطول، وعذرا على الإطالة هذه بعض الشيء لضرورات البحث والتشخيص التسلسلي المترابط)، ونقولان النظام الطوائفي القائم هذا، يشكل العامود الفقري الذي تتمحور عليه كل أزماننا السياسية ومشكلاتنا ومعضلاتنا الوطنية، ويحمل في طياته بذور الفتن وأسباب والغام تفجيره بذاته وهو الحائل الأساس امام قيام دولة حقيقية قوية عادلة وعصرية ووطن نهائي مستقر آمن لجميع أبنائه ومكوناته.وكي لا يبقى الوطن حلما راسخا في مخيلتنا ووجداننا الجماعي، نرسمه واجيالنا المتعاقبة على خيوط الشمس ومجسدا في فكر عظمائنا و منشورات مفكرينا وفي كتابات “جبران” وعلى خشبات مسارح مبدعينا “الرحابنة” وغيرهم وفي الحناجر الذهبية “لوديع الصافي وفيروز وصباح وماجدة وايلي شويري” وغيرهم وغيرهم وفي قصائد” سعيد عقل” وسواه من كبار الشعراء والأدباء وفي ملاحمهم كما في الأناشيد الحماسية والحوربة والحدى”والهوبرة” المحببة فقط، ولا نحققه على أرض الواقع، واللبنانيون كل اللبنانيين تواقون إلى بناء وطن مستقر مزدهر آمن يحمونه باشفار عيونهم،وكي لا نبكي وطنا كالنساء، لم نحافظ عليه كالرجال،وكي لا تتحلل الدولة امام أعيننا “ونقترع على ثوبها لنتقاسمه” وكي لا يتهاوى الهيكل ويسقط على رؤوسنا جميعا، وكي لا نبقى من عداد دول العالم الثالث المتخلف أو نتحول الى دولة مارقة، او جمهورية موز، وكي لا نبقى دولة متروكة على قارعة “طريق الإهتمام الدولي”،وكي لا نحمل ذكرياتنا في حقائب “المهاجرين” إلى بلاد المجهول،وكي لا يتحول لبنان من وطن الحريات والإستضافة، إلى مرتع للفوضى والنزوح واللجوء الخانقين وربما إلى”التوطين القاتل”، (لا سمح الله والذي يرفضه بشدة كل الشعب اللبناني، وهو من لاآت مقدمة دستور الطائف)،وكي لا نبقى نصدر “فلذات أكبادنا وادمغتنا” إلى دول العالم ليحققوا ذواتهم ويبنوا مستقبلهم خارجا ويساهموا في بناء الدول التي استضافتهم عوضا عن بناء وطنهم الأم، وكي نعيش أحلامنا الوردية ولا تنتابنا كوابيس ظلامية،وكي نستحق وطنا بحجم دماء الشهداء كل الشهداء وتضحيات اللبنانيين كل اللبنانيين،وكي نحافظ على طوائفنا ونحميها ونعززها، ونتجاوز الطائفية المقيتة المدمرة للأوطان، (ولإن الطوائف نعمة والطائفية نقمة)،ولأن كل الصيغ قد فشلت و المطروحة علانية منها غير قابلة للعيش و للتحقق وها قد وصلنا إلى ما نحن عليه من مآزق، ولأنه عبثا نحاول ترميم هنا وإصلاح هناك ومعالجة هنالك، وكأننا “نصارع طواحين الهواء”،وكي نجيب أنفسنا والسائلين الحائرين المخلصين، على الأسئلة التقليدية المزمنة (أي لبنان نريد؟ وإلى أين؟ وإلى متى؟ وأي صيغة أفضل وامثل؟ و …الخ)،وكي لا نضيع البوصلة ونسير تائهين متعثرين ولنتلمس خارطة طريق الخلاص الحقيقي،وكي لا نبقى مقصرين قاصرين وكأننا لم نبلغ “سن الرشد الوطني بعد”، وكأننا بحاجة دائما إلى رعاية وصاية خارجية لتسوية خلافاتنا وتسيير أمورنا وإدارة شؤوننا،وكي نجعل لبنان وطنا سيدا حرا عزيزا آمنا مستقرا مزدهرا بالفعل ونجسده واقعا ثابتا،وكي لا تبقى النظرة إلى وطننا نظرة استضعاف واستخفاف، وكي نلغي معادلة (قوة لبنان في ضعفه) ونحولها الى (لبنان قوي بوحدته الوطنية)، ومكامن القوة عندنا عديدة، وبناء لكل ما عرضته في مقالي المتواضع هذا أخلص إلى القول وبإختصار، إن البديل الحتمي لهذا النظام الطوائفي البائد والبائس والمتخلف والذي لا ينتج سوى أزمات ومآزق متتالية لا سيما عند كل إستحقاق وطني أو أي محطة سياسية مهما بلغت درجة أهميتها، هو النظام العلماني، أي بالعمل على إحلال الدولة المدنية مكان الدولة الطائفية غير القابلة للحياة،إلى دولة العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والحداثة والتطوير، دولة الرعاية والمواطنة الحقيقيتين الدولة الراعية للجميع والحاضنة للكل، وإن اقرينا ان هذه المسألة ليست سهلة التحقق و بالسرعة المطلوبة لإعتبارات متعددة راهنا، إلا أنه {وجب على كل منا الإنتصار على ذاته الطائفية والفئوية اولا، وترسيخ روح المواطنة والعمل الجاد والصادق لقبول الآخر كما هو، لتعزيز الوحدة الوطنية (مكمن قوتنا الأساس) كما وعلينا تعميم هذه الثقافة البناءة كل في بيته ومحيطه لا سيما لدى الناشئة وجيل والشباب}، إلا أننا نرى أن لا حل بديل على الإطلاق لمعضلة قيام الدولة وبناء الوطن الذي يليق باللبنانيين ويحقق طموحاتهم وامانيهم بحياة كريمة عزيزة في وطن يفخرون بانتمائهم اليه، الإ باعتمادها وتحقيقها ولو تراءى لنا انها بعيدة المنال بعض الشيء، غير انها ليست مستحيلة على الإطلاق ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة ، فلنبادر قبل فوات الاوان كي لا نبكي على اطلالنا ويقتلنا الندم وتلاحقنا لعنات الأجيال والتاريخ. وسلاما على من اتبع الهدى والهداية.