فقرة “خارج السياق” للكاتب جورج صبّاغ.
معظم بلدان العالم يمتلك عدة مطارات (دولية وداخلية) لتلبية حاجاتها في المواصلات والتواصل مع العالم الخارجي ولأغراض التجارة والسياحة …الخ.
وكلما إزدادت الحاجة زاد عدد المطارات تلك وفقاً لدراسات وخطط تضعها الدول لمواءمة حاضرها من جهة وتطلعاتها لمستقبلها من جهة ثانية.
لبنان هذا البلد الصغير بجغرافيته والبالغة مساحته ١٠٤٥٢ كلم٢ كان مقدراً له أن يمتلك عدة مطارات علاوةً عن (مطار بيروت الدولي – مطار رفيق الحريري) في عدة مناطق خارج عاصمته، لولا الحرب الأهلية المشؤومة التي أنهكته والأحداث المتتالية التي مرّ بها على مدى عشرات السنين .
وهذه المطارات إن تم إنشاؤها وإتمام بناؤها ستعود دون أدنى شك بفوائد جمّة عليه لا سيما تسهيل سفر مواطني المناطق والبعيدين عن العاصمة، كما تنشّط الحركة الاقتصادية والتجارية في الأقضية حيث مواقع المطارات وتؤمن فرص عمل بأعدادٍ كبيرة نحن بحاجة ماسة إليها، كذلك تفعِّل الحركة السياحية في بلد السياحة المتعددة على مختلف مستوياتها.
ما يتم طرحه والتداول به الآن هو ما يلي :
– أستخدام مطار رياق في البقاع للطيران المدني الى جانب كونه مخصص للقوات الجوية اللبنانية، (علما انه بكامل جهوزيته لإستخدامه لهذه الغاية مبدئيا).
– أعادة تجهيز وصيانة وتشغيل مطار القليعات في عكار (حيث بُناه التحتية سهلة التجديد والتفعيل).
– إستكمال بناء وتجهيز مطار حامات في قضاء البترون ( بُناه التحتية أولية).
وهكذا يصبح للبنان أربع مطارات، في حال إتخذ القرار بتشغيلها ثم بتجهيز الثلاثة المتوقفة منها من خلال إعتماد المعايير والمواصفات الدولية والحديثة والآمنة.
غير أن الكلفة المالية تبدو باهظة ومرتفعة للغاية، والسؤال هنا هو كيف سيتم تمويل هذه العملية؟ (قد يكون هناك حلاً لهذه المسألة، ليس بمتناولنا نحن راهناً).
وربما قد تُطرح أيضاً مسألة إحياء المرافئ والموانئ البحرية المنتشرة على طول الساحل اللبناني ،
“وهنا يكون قد إكتمل النقل بالزعرور”.
ما يُثير مخاوفنا ويُشعرنا بالريبةِ كما القلق، هي الطروحات المتعددة والمعقّدة التي نشهد فصولها نتيجة الخلافات السياسية والإختلافات في وجهات النظر حيال إيجاد الحلول الشافية لأزماتنا المزمنة والمتتالية، وبخاصة في ظل إنقسام عامودي حاد وأحيانا مع إنقسام أفقي، ما يقودنا الى الأسئلة المركزية “الهواجِسية” التالية :
* هل نعيش فعلا الوحدة الوطنية والعيش الواحد الذي ننادي به وننشده ليلا نهارا على الملأ ونتغنى به، أم نتكاذب على بعضنا البعض؟
هل أنجزنا الهوية الوطنية الموحدة والجامعة أم لا نزال طوائف ومذاهب وجماعات ومجاميع متناحرة في ما بينها في كنف دولة مركزية ضعيفة؟
- هل أزلنا من نفوسنا آثار الحروب والإقتتال والهواجس (خوفٌ لدى فريق وغُبن لدى آخر وسيطرة وتحكّم لفريق ثالث)، وأجرينا مصالحة حقيقية دون تحفّظ ومخاوف من الشريك الآخر، وهل أجرينا مراجعة تقييمية واستخلصنا العِبر مما جرى وما وصلنا اليه؟
- هل أوقفنا أبواق الفتن والتحريض الطائفي والمذهبي والسياسي المستفز، وهل أسكتنا أصحاب ألسنة الكراهية والتفرقة والتعصب الأعمى؟
- هل استجبنا لدعوات الحوار واجتمعنا على طاولة واحدة للبحث عن الحلول الممكنة لبعض مشكلاتنا وازماتنا خاصة في الأوقات العصيبة؟
- الأسئلة والهواجِس الأهم والأخطر على الكيان نطرحها كالتالي :
- ألم تُطرح في الآونة الاخيرة مسألة اللامركزية الإدارية وحتى “المالية” الموسّعة مع علمنا ان اللامركزية الإدارية هو بند من إتفاق الطائف لم ينفذ حتى الآن؟ (وإن هي موضع نقاش واسع بين المكونات؟)
- ألم نسمع بطرح الفدرالية وحملات التنظير لها لتسويقها بصيغ متعددة وقد شاهدنا (أشكال عديدة لها وكذلك بخرائط ورسوم جغرافية- ديمغرافية وبالألوان)؟
- ألم نسمع بطرح الطلاق النهائي والتهديد به من قبل مرجعيات سياسية وحزبية؟
- ألم نسمع بطرح التقسيم والدعوات لاعتماده من قبل “قادة رأي وشرائح شعبية على السواء” (خلّصونا ما بينعاش معُن ولهم لبنانهم ولنا لبناننا).؟
- ألم نسمع بطرحٍ تكرّر مراراً (ما بيشبهونا ولا بشي يحلوا عن سمانا يروحوا على مناطقن) وذلك من قبل
- “Les portes paroles
لعدد من الأحزاب”؟ - ألم نسمع ورأينا ردود فعل مستهجنة وشاجبة لتصريح ملتبسٍ بمضمونه أدلت به “نائبة الأمة” جهارةً
ً منذ مدة قصيرة بقولها (اننا نواجههم منذ ١٤٠٠ سنة)؟
هل طَرح مسألة إحياء وإنشاء المطارات في المناطق – الأقضية ، وعلى أهميتها التي ذكرناها في مقدِّمة المقال ، هي نابعة من نوايا طيبة وخلفية وطنية سليمة وهل هو التوقيت المناسب للقيام بهذا المشروع والاصرار على تنفيذ هذه المسألة الآن؟
كل ما ذكرناه آنفاً يشكّل مدعاةً للتساؤل المشروع البديهي والمنطقي :
(هذا الطرح الآن، كالذي يضع العَرَبة أمام الحصان تماماً) .
أم هو مقدِّمة لصيغة سياسية ديموغرافية، تهدف لنسف الصيغة اللبنانية الفريدة والعيش الواحد؟ وتالياًّ نود التذكير (أليس لبنان “أكثر من وطن انه رسالة وفق القديس البابا مار يوحنا بولس الثاني” رحمات الله عليه)؟
• وهل ستشكل اللُبنة الاولى منه، حجر الأساس لمشروع التفرقة والفراق وضرب صيغة الميثاق الوطني وإحلال صيغ التباعد القاتل للكيان الواحد؟
- وهل ستطير “الوحدة الوطنية” من على مدارج مطارات لبنان المقترحة والمرتقب تشغيلها الى غير رجعة؟
- أم سنعمل جميعنا بإرادة وطنية جامعة “لعودة الإبن الضال” على أجنحة التضامن والتكاتف الوطني والمحبة والوئام؟ وأخيراً نتساءل أي لبنان نريد وأي صيغة سيتوافق عليها اللبنانيون، وهل المطلوب الذهاب الى “عقد إجتماعي جديد” رغم إستبعادنا حصوله في الوقت الحاضر؟ والسلام على من إتبع الهدى والهداية.