فقرة خارج السياق للكاتب جورج صبّاغ
لم يحتفل اللبنانيون هذه السنة بذكرى الاستقلال في 22 تشرين الثاني ، وأقتُصر إحياء الذكرى “رمزياً” على المستوى الرسمي بسبب الحرب القائمة كما واحتراماً للدماء والدموع وللتضحيات الجسام والخسارات وللأرواح البريئة التي تُزهقُ ظلماً في ظُلمة هذه الحرب الظالمةِ على شعبِنا وبلدِنا المستضعف والمظلوم.
لكن معظم الشعب اللبناني ومنذ سنوات خلت رغم إقامة الاحتفالات وإحياء الذكرى ، كان ينتابه شعور بأن ثمة خللٍ بالمفاهيم الحقيقية لهذه المناسبة الوطنية الهامة، ( والغالبية تُردد في كل ذكرى ، أي إستقلال هذا نحتفل به، “مرحبا استقلال”).
وإذا ما عُدنا لإستذكار تسلسل الحقبات التاريخية لتبيان كيفية نشوء كياننا اللبناني هذا قبل العام 1920 تاريخ إعلان لبنان الكبير (بمساحته وحدوده الحاليين) وما بعده، في العام 1943 تاريخ الاستقلال، لتيقّنا أننا مُنحنا إستقلالنا ولم نَنتزعه او نَفرضه بالعرق والسواعد و “الأحمر القاني” رغم بعض المواقف الوطنية المشرّفة لزعماء وطنيين من كافة الطوائف، ومذذاك التاريخ رُكّب لنا نظاماً سياسياً طوائفياً مُحاصصتياً لمساحة جغرافية صغيرة من قِبل الانتداب آنذاك ، وليس دولة مركزية جامعة بمعناها الحقيقي و هذا النظام يحمل بذور تفجيره في داخله ، أي أشبه بألغام مزروعة بمفاصل “جسدهِ الهزيل” وهي قيد التفجير “غب الطلب” ولكي يسهل أفتعال الأزمات عند كل منعطفٍ او إستحقاقٍ سياسي وهذا ما أبقاه وطناً ضعيفاً تتقاذفه ألامواج العاتيات لمصالح الكبار وأطماعِهم ، كما ولهذه التركيبة “الفُسيفسائية الهشّة” التي تتفسّخ عند أي “هبّة ريح”.
هذا النظام الطوائفي المتخلّف لم ولن يبنِ دولة المؤسسات والحداثة والأمان والأمن الإجتماعي وهو يُشكّل العامود الفقري التي تتمحور عليه كل أزماتنا ومشكلاتنا ومعاصينا السياسية وغيرها، وبالتالي شكّلَ حائلاً أمام إنجاز هويتنا الوطنية الموحَّدة والموحِّدة ، حيث لكل طائفة وجماعة من المكوّنات كيانُها ومؤسساتها الخاصة بها كما وارتباطاتها الخارجية كمرجعية اولى لها ، وبالتالي لم نستطع بناء (دولة المواطَنة الحقة).
الاستقلال يبدأ بالتربية ومن الذات البشرية، هو ثقافة حياة ونمط عيش يومي ومستدام( فالحرية والكرامة صنوان وأغلى ما يملك الإنسان)، فلنتحرّر بدايةً من آفاتنا وموروثاتنا البالية والمتخلّفة والتعيسة والتاعسة ، ونكفّ عن تأليه ” الزعيم ” ومفاضلتِه على الوطن ومصالحِه وإلى متى ونحن قد أصبحنا في القرن الواحد والعشرين سنبقى نطبّق مقولة ،
(مجدُ الزعيم على دمِ الغشيم)؟
نعم ” نحن نعيشُ في شبه دولة ” للأسباب التي ذكرناها آنفاً وهذا غيضٌ من فيض ،
ونُضيف
” إذا مات المَلك بيجي مَلك غيرو وإذا راح الوطن مافي وطن غيرو ” (م الرحباني).
ونختم ببيت الشِعرِ قائلين ،
” وللحريةِ الحمراءِ بابٌ بكلِ يدٍ مُضرّجةٍ يُدَقُ ” .
على أملِ بلوغِ الإستقلال الحقيقي غيرِ المنقوص وتحقيقه بوعي وحكمة شعبنا وتضامنه” في مابينه وبالأخص حيال القضايا الوطنية المصيرية الكبرى ، بانصهار وطني كامل الأوصاف ” وبإخلاص حُكّامِنا وتحرّرِهم من قيودِهم وارتباطاتِهم بأقربِ وقتٍ ، وقد بلغَ السيلُ الزُبى لنجعلَ من وطننا مجدداً موئلَ الحريات ولؤلؤة الشرقِ ومنارتِه وليس “غَزّته” المُدمَرة كلياً والمنكوبة كما هي الآن وكما حلّ في قُرانا الجنوبية والبقاعية والضاحية الجنوبية لعاصمتِنا “سِت الدنيا بيروت” ،
حفظ الله لبنان وشعبه والسلام .